١٦‏/١٢‏/٢٠٢٤، ٢:٣٥ م

تحديات سوريا ما بعد الأسد

تحديات سوريا ما بعد الأسد

إن نهاية بشار الأسد ليست نهاية سوريا ومشاكلها، كما أن ظهور محمد الجولاني لا يعني بداية مستقبل مشرق لسوريا. يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الأزمات التي قد يستغرق حلها عقودًا من الزمن.

وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية: إن نهاية بشار الأسد ليست نهاية سوريا ومشاكلها، كما أن ظهور محمد الجولاني لا يعني بداية مستقبل مشرق لسوريا. يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الأزمات التي قد يستغرق حلها عقودًا من الزمن، وقد لا يكون بإمكان الحكومة المقبلة لهذه البلاد حلها في الأمد القريب، وقد تتسرب بعض هذه الأزمات إلى دول المنطقة، خصوصًا الدول المجاورة لسوريا.

لقد وصلت السياسة والحكم في الشرق الأوسط إلى وضع أصبح فيه سقوط الحكومات في معظم دول هذه المنطقة أمرًا لا مفر منه. إن بنية وهيكلية الحكم في دول الشرق الأوسط، بغض النظر عن مدى فعاليتها أو عدم فعاليتها، هي بنية قديمة عفى عليها الزمن، ومن دون إصلاحات حقيقية وعميقة، لا توجد آمال كبيرة في استمرارها في عالم اليوم.

الحكومات المركزية والموروثة، والتخلف السياسي، وعدم الاهتمام بالديمقراطية، وعدم مشاركة الشعب في السياسة، والبرلمانات المعينة، وعدم وجود نظام انتخابي، وتجاهل الاحتياجات السياسية والاجتماعية للجماهير، إلى جانب انسداد سبل الإصلاح والتغيير السلمي، تخلق ظروفًا تجعل "تغيير الحكومة بأي ثمن" هو الهدف النهائي للشعوب، ولا يتم الاهتمام بتبعات ذلك. هذه الظروف تسهل التدخلات الخارجية وتفتح المجال أمام صعود الجماعات المتطرفة.

يبدو أن سقوط حكومة بشار الأسد قد حدث في هذه الظروف، ولم يُولِ مؤيدو "التغيير بأي ثمن" اهتمامًا بتبعاته. وهناك احتمال وقوع مثل هذا الحدث في بعض دول الشرق الأوسط الأخرى، رغم أن الرفاه الاقتصادي في بعض منها قد يؤجل التغيرات الجذرية. أعتقد أن سوريا ما بعد الأسد ستواجه تحديات أصعب وأكثر تعقيدًا.

أول الإجراءات التي يجب أن تتخذها أي حكومة هي الحفاظ على الأمن، وسلامة الأراضي، والوحدة الوطنية. ولتثبيت هذه العناصر، من الضروري أن تُقام حكومة وطنية قوية تحظى بتوافق الشعب السوري في دمشق. لكن الحكومة التي ستتولى الحكم بعد بشار الأسد ستواجه أزمة في هذه العناصر الأساسية.

لقد دمرت إسرائيل تقريبًا جميع البنى التحتية والدفاعية في سوريا. سوريا الآن دولة غير محمية وعاجزة، وفي أفضل الظروف، سيستغرق الأمر سنوات طويلة لإعادة بناء ما فقدته من بنى تحتية. من جهة أخرى، انتهكت إسرائيل سيادة سوريا على أراضيها، وسيطرت على الجزء الجنوبي من البلاد. كما احتلت جبل الشيخ الاستراتيجي في هضبة الجولان. من غير المحتمل أن تقوم إسرائيل بإخلاء هذه المواقع الجبلية الاستراتيجية في سوريا، ويبدو أنه في النهاية ستضم هذه المناطق إلى أراضيها.

من جهة أخرى، من غير المحتمل أن تتعاون بعض الجماعات المسلحة السورية مثل الأكراد مع الحكومة المركزية السورية دون الحصول على مكاسب سياسية أو أراضٍ، سواء كان ذلك على شكل حكم ذاتي أو بأي شكل آخر.

أما تركيا، فرغم نفوذها السياسي بين الجماعات الارهابیة السورية، تجد أن الوقت مناسب للحفاظ على المنطقة المحتلة من قبلها كمنطقة عازلة إلى أجل غير مسمى.

نتيجة لذلك، فإن الحكومة المحتملة لسوريا إما أن تدخل في صراع مسلح مع الجماعات المسلحة من مختلف الطوائف بهدف نزع سلاحها، وهو ما يعني دخول سوريا في حرب أهلية مسلحة تستمر لسنوات عديدة، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تتشكل عملية سياسية.

أما إذا دخلت الحكومة المركزية المستقبلية في مفاوضات سياسية مع الجماعات المسلحة المختلفة، فسيتعين عليها تقديم مكاسب أراضٍ ومكاسب سياسية لها، مما يعني عمليًا تقسيم السيادة ووحدة الأراضي السورية، وفي هذه الحالة ستتكون حكومة ضعيفة ذات سلطة سياسية محدودة.

إذا قررت الحكومة المركزية السورية تعزيز سلطتها وسيادتها بمساعدة التدخل العسكري من دول أجنبية، مثل تركيا، فإن سوريا أو أجزاء حيوية منها ستظل تحت الاحتلال التركي، وستدخل تركيا في مستنقع يصعب الخروج منه، مما سيترتب عليه تكاليف بشرية واقتصادية ضخمة. في حال تحقق أي من هذه السيناريوهات، فإن سوريا ما بعد الأسد ستكون دولة مفككة ومتجزئة، مع سيادة ضعيفة للغاية وبدون القدرة الكافية على الحفاظ على وحدة أراضيها.

بافتراض تخطي سوريا الجديدة لهذه العقبات، فإنها ستواجه سنوات من الحرب الأهلية والإرهاب والاضطرابات في مناطق مختلفة من سوريا، مما سيخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية معقدة. التغلب على هذه المشاكل سيكون أمرًا صعبًا للغاية وغير قابل للحل بسهولة. حتى في حال الاستقرار والهدوء، ستحتاج سوريا إلى عقود من الزمن للعودة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الطبيعي.

بالإضافة إلى المشاكل الداخلية، ستزداد تعقيدًا العقوبات الدولية المفروضة على سوريا وعلى الأعضاء المؤثرين في الجماعات المسلحة التي تتولى قيادة دخول سوريا إلى المرحلة السياسية. لن تقوم الدول الغربية برفع هذه العقوبات عن هذه الجماعات إلا بعد الحصول على امتيازات مهمة منها. هذه العقوبات ستضاف إلى المشاكل الأخرى وستشكل عوائق كبيرة أمام استقرار الوضع الاقتصادي في سوريا.

نتيجة لذلك، في الظروف الجديدة، من المحتمل أن نواجه سوريا تعاني من أزمات متشابكة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأراضي والعلاقات الدولية.

لقد نجح " أبو محمد الجولاني"، زعيم هيئة تحرير الشام، حتى الآن في إحداث الكثير من المفاجآت التي خالفت توقعات المحللين. يمكن الاستنتاج أنه يحصل على مشاورات سياسية ودبلوماسية من دولة داعمة له، ويقوم بتنفيذ هذه المشاورات بدقة. يسعى الجولاني إلى تبني مواقف معتدلة ومرنة في جميع المسائل الداخلية والخارجية، بهدف عبور سوريا بأسرع وقت ممكن من المرحلة العسكرية إلى العملية السياسية وبناء الدولة.

أو على الأقل، يبدو أنه أظهر تحكمًا كبيرًا في سلوكه وتصرفاته. ومع ذلك، يبدو أنه قد تصرف بشكل متسرع في دخول العملية السياسية، وأبدى تفاؤلًا مفرطًا في مواقفه المعتدلة، حتى وقع في تطرف غير متوقع.

لن يمر وقت طويل قبل أن يواجه الحقائق السياسية والاقتصادية المعقدة والواقعية، وقد يُجبر على تغيير مواقفه الحالية أو ربما يُحذف من الساحة السياسية السورية. لأن أي حكومة، مهما كانت توجهاتها، في سوريا أو أي دولة أخرى، لابد لها أن تتخذ موقفًا حازمًا ضد قصف وتدمير القدرات الدفاعية لبلادها واحتلال أراضيها وضم جزء منها إلى سيطرة الآخرين.

وفي حال عدم القيام بذلك، فإنها ستفقد مصداقيتها السياسية بعد انتهاء الحماس الناجم عن سقوط الحكومة السابقة، وستصبح بلا قيمة في أعين شعبها. سيضطر إلى التصدي للجماعات المسلحة للحفاظ على النظام والاستقرار في المجتمع، كما سيكون مسؤولاً عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه بلاده.

هناك العديد من الحقائق والمشاكل التي ستواجه المجتمع السوري، ولا يمكن التغاضي عنها على المدى الطويل. في وقتٍ ما، سيضطر أشخاص غير ذوي خبرة مثل الجولاني لمواجهتها. حتى الآن، لم يطرح أي فكرة واضحة بشأن التحديات التي قد يواجهها هو أو الحكومة المستقبلية في سوريا، ويبدو أن هذه الجماعات المسلحة تفتقر إلى أي رؤية أو خطة واضحة لما بعد الإطاحة بحكومة بشار الأسد. ربما لم يكونوا يتوقعون أنهم سيصلون إلى دمشق بهذه السرعة والسهولة.

على أي حال، فإن نهاية بشار الأسد ليست نهاية سوريا أو مشكلاتها، وظهور الجولاني لن يعني بداية مستقبل مشرق لسوريا. يبدو أن سوريا ستدخل فترة جديدة من الأزمات التي لن يكون بإمكان الحكومة القادمة حلها لعقود، ومن الممكن أن تتدفق بعض هذه الأزمات إلى دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة جيران سوريا، في وقتٍ ما.

محسن بهاروند، السفير الإيراني السابق في لندن.

رمز الخبر 1951912

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha